فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا يدخل ولد الزنا إلى بيت الرب، ولا يدخل نسله من بعده إلى عشرة أحقاب، ولا يدخل عماني ولا مؤابيّ إلى بيت الرب، ولا يدخل نسلهما من بعدهما إلى عشرة أحقاب، لأنهم لم يضيفوكم ولم يعشوكم بالخبز والماء حيث خرجتم من أرض مصر، ولأنهم اكتروا بلعام بن بعور من فتورام من بين النهرين- وهي حران- ليلعنكم، ولم يحب الرب أن يسمع قول بلعام بن بعور، وقلب الله لعنه إلى الدعاء، لأن الله ربكم أحبكم، فلا تريدوا لهم الخير أيام حياتكم، لا تدفعوا الأدومي عنكم لأنه أخوكم، ولا تبعدوا المصري أيضًا لأنكم كنتم سكانًا بأرض مصر، وإن كان في معسكركم رجل أصابته جنابة، يخرج خارج العسكر، ولا يجلس بين أصحابه في العسكر، وإذا كان العشيّ فليستحم بالماء، وإذا غابت الشمس وأمسى يدخل العسكر، وليكن لكم موضع معروف خارج العسكر تخرجون إليه إلى الخلاء، ويكون على سلاحكم وتد من حديد، فإذا جلستم للخلاء احفروا موضعًا للخلاء وغطوا رجيعكم، لأن الله ربكم معكم في العسكر لينقذكم ويدفع عنكم أعداءكم، فليكن عسكركم مطهرًا مزكيًا لئلا يرى فيكم أمرًا قبيحًا، فيرتفع عنكم ولا يصحبكم؛ ثم قال: وإن سكن أخوان جميعًا ومات أحدهما ولم يخلف ولدًا، لا تتزوج امرأته من رجل غريب، ولكن يتزوج بها وارثه ويقيم زرعًا، وأول ولد تلد ينسب إلى أخيه الذي مات، ويقال إنه ابن ذلك الذي مات ولم يخلف ولدًا، لئلا يبيد اسمه من بني إسرائيل، وإن لم يعجب الرجل أن يتزوج امرأة أخيه، ترتفع امرأة أخيه إلى المشيخة فيدعونه، فإن ثبت على قوله تتقدم إليه المرأة بين يدي المشيخة وتخلع خفيه من قدميه وتبصق في وجهه وتقول: كذلك يصنع بالرجل الذي لا يحب أن يبني بيتًا لأخيه، ويدعى اسمه بين بني إسرائيل: صاحب خلع الخفين، وإن شاجر الرجل صاحبه فدنت امرأة أحدهما لتخلص زوجها من الذي يقاتله، فتمد يدها إلى مذاكير الرجل، يقطع يدها ولا يشفق عليها ولا يترحم- انتهى.
وكل هذه الآصار على النصارى أيضًا ما لم يرد في الإنجيل نسخها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}.
اعلم أنه تعالى لما بين أن من صفة من تكتب له الرحمة في الدنيا والآخرة التقوى وإيتاء الزكاة والإيمان بالآيات، ضم إلى ذلك أن يكون من صفته اتباع {النبي الأمى الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل} واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: المراد بذلك أن يتبعوه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة، إذ لا يجوز أن يتبعوه في شرائعه قبل أن يبعث إلى الخلق، وقال في قوله: {والإنجيل} أن المراد سيجدونه مكتوبًا في الإنجيل، لأن من المحال أن يجدوه فيه قبل ما أنزل الله الإنجيل، وقال بعضهم: بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيام الرسول فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا اتبعوا الرسول النبي الأمي.
والقول الثاني أقرب، لأن اتباعه قبل أن بعث ووجد لا يمكن.
فكأنه تعالى بين بهذه الآية أن هذه الرحمة لا يفوز بها من بني إسرائيل إلا من اتقى وآتى الزكاة وآمن بالدلائل في زمن موسى، ومن هذه صفته في أيام الرسول إذا كان مع ذلك متبعًا للنبي الأمي في شرائعه.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى وصف محمدًا صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بصفات تسع.
الصفة الأولى: كونه رسولًا، وقد اختص هذا اللفظ بحسب العرف بمن أرسله الله إلى الخلق لتبليغ التكاليف.
الصفة الثانية: كونه نبيًا، وهو يدل على كونه رفيع القدر عند الله تعالى.
الصفة الثالثة: كونه أميًا.
قال الزجاج: معنى {الأمى} الذي هو على صفة أمة العرب.
قال عليه الصلاة والسلام: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك، فلهذا السبب وصفه بكونه أميًا.
قال أهل التحقيق وكونه أميًا بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه: الأول: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظومًا مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها فإنه لابد وأن يزيد فيها وأن ينقص عنها بالقليل والكثير، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير.
فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] والثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهمًا في أنه ربما طالع كتب الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة، كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48] الثالث: أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعى، فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم، ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر، ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلًا وفهمًا، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جاريًا مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات.
الصفة الرابعة: قوله تعالى: {الذى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل} وهدا يدل على أن نعته وصحة نبوته مكتوب في التوراة والإنجيل، لأن ذلك لو لم يكن مكتوبًا لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات لليهود والنصارى عن قبول قوله، لأن الإصرار على الكذب والبهتان من أعظم المنفِّرات، والعاقل لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله، وينفر الناس عن قبول قوله: فلما قال ذلك دل هذا على أن ذلك النعت كان مذكورًا في التوراة والإنجيل وذلك من أعظم الدلائل على صحة نبوته.
الصفة الخامسة: قوله: {يَأْمُرُهُم بالمعروف} قال الزجاج: يجوز أن يكون قوله: {يَأْمُرُهُم بالمعروف} استئنافًا، ويجوز أن يكون المعنى {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ} أنه {يَأْمُرُهُم بالمعروف} وأقول مجامع الأمر بالمعروف محصورة في قوله عليه الصلاة والسلام: «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» وذلك لأن الموجود إما واجب الوجود لذاته وإما ممكن الوجود لذاته.
أما الواجب لذاته فهو الله جل جلاله، ولا معروف أشرف من تعظيمه وإظهار عبوديته وإظهار الخضوع والخشوع على باب عزته والاعتراف بكونه موصوفًا بصفات الكمال مبرأ عن النقائص والآفات منزهًا عن الأضداد والأنداد، وأما الممكن لذاته فإن لم يكن حيوانًا، فلا سبيل إلى إيصال الخير إليه لأن الانتفاع مشروط بالحياة، ومع هذا فإنه يجب النظر إلى كلها بعين التعظيم من حيث أنها مخلوقة لله تعالى، ومن حيث أن كل ذرة من ذرات المخلوقات لما كانت دليلًا قاهرًا وبرهانًا باهرًا على توحيده وتنزيهه فإنه يجب النظر إليه بعين الاحترام.
ومن حيث إن الله تعالى في كل ذرة من ذرات المخلوقات أسرارًا عجيبة وحكمًا خفية فيجب النظر إليها بعين الاحترام، وأما إن كان ذلك المخلوق من جنس الحيوان فإنه يجب إظهار الشفقة عليه بأقصى ما يقدر الإنسان عليه، ويدخل فيه بر الوالدين وصلة الأرحام وبث المعروف فثبت أن قوله عليه الصلاة والسلام: «التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» كلمة جامعة لجميع جهات الأمر بالمعروف.
الصفة السادسة: قوله: {وينهاهم عَنِ المنكر} والمراد منه أضداد الأمور المذكورة وهي عبادة الأوثان، والقول في صفات الله بغير علم، والكفر بما أنزل الله على النبيين، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين.
الصفة السابعة: قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات} من الناس من قال: المراد بالطيبات الأشياء التي حكم الله بحلها وهذا بعيد لوجهين: الأول: أن على هذا التقدير تصير الآية ويحل لهم المحللات وهذ محض التكرير.
الثاني: أن على هذا التقدير تخرج الآية عن الفائدة، لأنا لا ندري أن الأشياء التي أحلها الله ما هي وكم هي؟ بل الواجب أن يكون المراد من الطيبات الأشياء المستطابة بحسب الطبع وذلك لأن تناولها يفيد اللذة، والأصل في المنافع الحل فكانت هذه الآية دالة على أن الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحل إلا لدليل منفصل.
الصفة الثامنة: قوله تعالى: {وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث} قال عطاء عن ابن عباس، يريد الميتة والدم وما ذكر في سورة المائدة إلى قوله: {ذلكم فِسْقٌ} وأقول: كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس كان تناوله سببًا للألم، والأصل في المضار الحرمة، فكان مقتضاه أن كل ما يستخبثه الطبع فالأصل فيه الحرمة إلا لدليل منفصل.
وعلى هذا الأصل: فرع الشافعي رحمه الله تحريم بيع الكلب، لأنه روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصحيحين أنه قال: «الكلب خبيث، وخبيث ثمنه» وإذا ثبت أن ثمنه خبيث وجب أن يكون حرامًا لقوله تعالى: {وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث} وأيضًا الخمر محرمة لأنها رجس بدليل قوله: {إِنَّمَا الخمر والميسر} إلى قوله: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] والرجس خبيث بدليل إطباق أهل اللغة عليه، والخبيث حرام لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث}.
الصفة التاسعة: قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والاغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ ابن عامر وحده {آصارهم} على الجمع، والباقون {إِصْرَهُمْ} على الواحد.
قال أبو علي الفارسي: الإصر مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه يدل على ذلك إضافته، وهو مفرد إلى الكثرة، كما قال: {وَلَوْ شَاء الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم} [البقرة: 20] ومن جمع، أراد ضروبًا من العهود مختلفة، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما في قوله: {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} [الأحزاب: 10].
المسألة الثانية:
الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه من الحراك لثقله، والمراد منه: أن شريعة موسى عليه السلام كانت شديدة.
وقوله: {والاغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} المراد منه: الشدائد التي كانت في عباداتهم كقطع أثر البول، وقتل النفس في التوبة، وقطع الأعضار الخاطئة، وتتبع العروق من اللحم وجعلها الله أغلالًا، لأن التحريم يمنع من الفعل، كما أن الغل يمنع عن الفعل، وقيل: كانت بنو إسرائيل إذا قامت إلى الصلاة لبسوا المسوح، وغلوا أيديهم إلى أعناقهم تواضعًا لله تعالى، فعلى هذا القول الأغلال غير مستعارة.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة، لأن كل ما كان ضررًا كان إصرًا وغلًا، وظاهر هذا النص يقتضي عدم المشروعية، وهذا نظير لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» في الإسلام، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة» وهو أصل كبير في الشريعة.
واعلم أنه لما وصف محمدًا عليه الصلاة والسلام بهذه الصفات التسع.
قال بعده: {فالذين ءامَنُواْ بِهِ} قال ابن عباس: يعني من اليهود {وَعَزَّرُوهُ} يعني وقروه.
قال صاحب الكشاف: أصل التعزير المنع ومنه التعزير وهو الضرب، دون الحد، لأنه منع من معاودة القبيح.
ثم قال تعالى: {وَنَصَرُوهُ} أي على عدوه {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} وهو القرآن.
وقيل الهدى والبيان والرسالة.
وقيل الحق الذي بيانه في القلوب كبيان النور.
فإن قيل: كيف يمكن حمل النور هاهنا على القرآن؟ والقرآن ما أنزل مع محمد، وإنما أنزل مع جبريل.
قلنا: معناه إنه أنزل مع نبوته لأن نبوته ظهرت مع ظهور القرآن.
ثم أنه تعالى لما ذكر هذه الصفات {قَالَ أُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} أي هم الفائزون بالمطلوب في الدنيا والآخرة. اهـ.